:هل الإسلام يكبت الحياة؟:
من علماء النفس الغربيين من هاجم الإسلام وقال:
((إن الالتزام بالدين يكبت النشاط الحيوي للإنسان، وينكد عليه حياته، نتيجة الشعور بالإثم، ذلك الشعور الذي يستولي على المتدينين بشكل خاص، فيخيل لهم: أن كل ما يصنعونه خطايا لا يطهرها إلا الامتناع عن ملذات الحياة))
وبعض الناس يردد القول الآتي:
((لقد ظلت أوروبة غارقة في الظلام طيلة تمسكها بالدين، فلما نبذت قيود الدين البالية تحررت مشاعرها من الداخل، وانطلقت في عالم العمل والإنتاج)).
ويسألون أيضاً: أتريدون أن تعودوا بنا مرة أخرى إلى هذا الكبت؟ تريدون أن تكبتوا المشاعر، وتنكدوا على الشباب المتدفق؟ أتريدون أن تعودوا إلى ((هذا حلال وهذا حرام)) بعد أن تحررنا منه؟!
ويقولون كذلك: إنه إذا شاع الاختلاط بين الشباب والفتيات تتهذب طباع كل منهما، وتقوم بينهما بعد ذلك صداقات بريئة. أما إذا ضرب بينهما بسور من الاحتجاب، فإن نوازع الجنس تلتهب وتغري كلاًّ منهما بصاحبه، ويشيع بعد ذلك الكبت في النفوس!!.
ولا بد من توضيح زيف تلك الادعاءات من تحديد مفهوم ((الدين)) الذي تحررت أوروبة منه؛ فالصورة التي يعرفها الغربيون عن ((الدين)) هي صورة إبان عصور الظلام حينما كان الرهبان يتحكمون في كل شيء حتى في الملوك أنفسهم، حينما قُتل العلماء في كل المجالات والعلوم لأنهم تجرَّؤوا وفكَّروا، فكان نتيجة تفكيرهم حقائق علمية تصطدم بتعاليم دينهم المحرَّف، وانتشرت صكوك الغفران...الخ.
تلك هي صورة الدين عندهم عندما يتحدثون عن الدين، لذلك فقد انطلقوا عندما ثاروا عليه، ونحن معهم في هذه الثورة!!.
أما عندنا فقد توقف تقدمنا عندما أهملنا ديننا، واسألوا التاريخ كيف كان المسلمون عندما تمسَّكوا بدينهم، وكيف أصبح واقعنا الحالي متخلفاً هزيلاً عندما تخلَّينا عن مبادئ ديننا؟!.
أما ما يقال عن كبت الإسلام للنشاط الحيوي؛ فينبغي أن نحدد معنى ((الكبت)) أولاً؛ فليس الكبت هو الامتناع عن إتيان العمل الغريزي، ولكن الكبت ينشأ من استقذار الدافع الغريزي، وعدم اعتراف الإنسان في حقيقة نفسه أنه يجوز أن يخطر في باله هذا الدافع.
فالذي يأتي هذا العمل، وفي شعوره أنه يرتكب قذارة لا تليق به، شخص يعاني من الكبت حتى ولو ((ارتكب)) هذا العمل عشرين مرة كل يوم.
إن دعوى الاختلاط بين الشباب والفتيات لتهذيب الطباع وإقامة صداقات بريئة هي دعوى يعلم زيفها من يطلعها، وإذا ما أحس الشاب بالرغبة الجنسية الدافقة فليس في ذلك منكر، ولا يوجد داع لاستقذار هذا الإحساس والنفور منه، إنما يطلب الإسلام من الشباب أن يضبط هذه الشهوات، ويعلق تنفيذها إلى الوقت المناسب.
إن ما يقال من تنكيد الدين على أتباعه، ومطاردتهم بشبح الخطيئة في يقظتهم ومنامهم غير صحيح أبداً، فالله تعالى يفتح باب المغفرة قبل أن يذكر العذاب.
والخطيئة في الإسلام ليست وحشاً يطارد الناس، فخطيئة سيدنا آدم ليست سيفاً مسلَّطاً على كل البشر ]فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَـٰتٍ فَتَابَ عَلَيْهِۚ[ ([1]).
وأبناء آدم ليسوا خارجين من رحمة الله حين يخطئون، فالله يعلم طبيعتهم، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام:
(( كلُّ ابن آدم خطَّاء، وخير الخطائين التوابون )) ([2]).
ويقول الله تعالى: ]مَّا يَفْعَلُ ٱللهُ بِعَذَابِكُـمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنتُمْ ۚ وَكَانَ ٱللهُ شَاكِراً عَلِيماً[ ([3]).
نعم ما يفعل الله بتعذيب الناس؟ وهو الذي يحب أن يمنحهم الرحمة والمغفرة ([4]).
والله تعالى يضع نظاماً متكاملاً لمعالجة المشكلة قبل وقوعها، ولهذا يقول الله تعالى: ]وَلَا تَقْرَبُواْ الزِّنَىۖ[ ([5]).
بمعنى: أن للزنى أسباباً فلا تقترب منها، ولم يقل الله تعالى: لا تفعلوا الزنى أو لا تقعوا في الزنى، لأن مبدأ الإسلام في هذه القضايا هو ((الوقاية خير من العلاج))، فإن أخطأ الإنسان فإن الله تعالى يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار.
كذلك كان التنبيه إلى خطورة النظرة الحرام؛ فالنظرة رائد الشهوة، وحفظها حفظٌ للفرج، ومن أطلق بَصَره أورد نفسه موارد الهلكة.
([1]) البقرة: 37.
([2]) رواه الترمذي.
([3]) النساء: 147.
([4]) محمد قطب، شبهات حول الإسلام.
([5]) الإسراء: 32.