الفوز الحقيقي
إن الفوز في الدنيا محفوف بالمكارة، ومُعرَّض للنقص والزوال والنسيان، فالغنى يتبعه فقر، والقوة يتبعها ضعف، والصحة يتبعها مرض، والشباب يتبعه عجز وهرم، والحياة نفسها لا تدوم..
فأي فوز هذا الذي يكون في الدنيا؟
أما الفوز الحقيقي فهو ما يكون عند الموت، وفي القبر، وعند سؤال الملكين، وعند الحشر والنشر والصراط وتطايُر الصُّحف: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ﴾ [الحاقة: 19 – 20].
انظر -أُخَيَّ- إلى هذا الفائز، كيف يُنادي فرحًا مسرورًا: لقد أخذت كتابي بيميني، وهذه علامة فوزي وسعادتي الدائمة، اقرؤوا هذا الكتاب أيها الناس،
لقد كنت على يقين من مجيء هذا اليوم، ومن وقوفي هذا الموقف، ولذلك فقد عملت له ألف حساب، وهذا هو الجزاء: ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾ [الحاقة: 21 – 24].
وعلى الجانب الآخر يقف الخاسرون النادمون، الذين ضيَّعوا أعمارهم هباء، ولم يُقدِّموا شيئًا ليوم المعاد
﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾ [الحاقة: 25 – 29].
ولذلك فقد كان الجزاء من جنس العمل:
﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ﴾ [الحاقة: 30 – 37].