بسم الله الرحمن الرحيم // آثار الذنوب والمعاصي//
قال الله تعالى في كتابه العزيز} وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ* وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ {الشورى{31،30}
يقول الإمام الطبري في تفسيره: ما يصيب الناس من مصائب في الدنيا في الأنفس والأهل والأموال فإنما ذلك عقوبة من الله بسبب ما اجترحوه من الآثام والذنوب ويعفو الله تبارك وتعالى عن كثير من إجرامكم فلا يعاقبكم بها.
أيها المسلمون: إن لله تبارك وتعالى في هذه الحياة سنناً لن تتغير في الكون والخلق ولن تتبدل، فالأمة التي تسير على شرع الله عز وجل وعلى نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم تصل إلى مبتغاها والله تعالى بفضله ومنِّه يسددها وينصرها ويرعاها، وإذا تركت الأمة أمر ربها وخالفت أحكام دينها وهجرت سنة رسولها سلك الله بها طريق العناء والشقاء حتى تعود لدينها فليس بين الله وبين أحد من خلقه حسب ولا نسب.وما أهون الخلق على الله إن هم أضاعوا أمره وجاهروا بمعصيته وتركوا دينه. وهل عُذِّبتْ أمة من الأمم في القديم والحديث إلا بسبب ذنوبها؟ } وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ{ وفي الحديث الصحيح ] إن الله يغار وغَيْرَةُ الله أن يأتي المؤمن ما حرَّمَ اللهُ[
إخوة الإيمان: الذنوب سمٌ يجري في الأبدان فيهلكها وفي البلدان فيفسدها وقد عدَّ العلماء آثاراً للذنوب والمعاصي تجاوزت الستين أثراً نذكر بعضاً منها:
أولاً: حرمان العلم الشرعي: فالعلم نور والمعصية تطفئ ذلك النور. فأول ما يُصيبك بسبب المعصية أن تُحرم نور العلم. لمّا جلس الشافعي بين يدي الإمام مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من نور فِطْنته وذكائه فقال: (( إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية)).
ثانياً: حرمان الرزق: فكما أن التقوى مجلبة للرزق فإن ترك التقوى مجلبة للفقر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ] إن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه[ والحديث رواه أحمد.
ويقول ابن عباس رضي الله عنهما (( إن للحسنة ضياءً في الوجه ونوراً في القلب وسعة في الرزق وقوةً في البدن ومحبةً في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القبر والقلب وَوَهَناً في البدن ونقصاً في الرزق وبغضاً في قلوب الخلق ))
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعمْ
وداوم عليها بشكـر الإلـه فشكـر الإلـه يزيـل الـنقـمْ
ثالثاً: المعاصي تورث الذل: فصاحب المعصية ذليلٌ، فالعز كل العز في طاعة الله يقول ابن القيم رحمه الله (( من أراد العزة فليطلبها بطاعة الله ))
وكان بعض السلف يدعو فيقول (( اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك )) ويقول الحسن البصري رحمه الله(( ذل المعصية لا يفارق قلوب العصاة , أبى الله إلا أن يذل من عصاه)).
رابعاً: المعاصي سبب في انتشار الأوجاع ونقص البركة والغلاء. إن من شؤم المعصية أنها تجلب البلاء ولا يرفع هذا البلاء إلا بتوبة تصحح ما ارتكبه الإنسان من ذنوب. ورد في سنن ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ]يا معشر المهاجرين خمسٌ إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهنَّ. لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضَوا.ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وَجَوْرِ السلطان. ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا. ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلَّط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم. وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم [
إذاً فالذنوب أساس البلاء وأصل الوباء. فما غابت بركة الأرض وما مُنِعَ قطر السماء إلا بسبب ذنوب العباد وما حلت الهموم و الغموم إلا بذنوب العباد، ومن آثار الذنوب والمعاصي أيضاً أنها تلحق الضرر بالدواب والبهائم بشؤم ذنب ابن آدم يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه الترمذي ] إن الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم[ يقول مجاهد : (( إن البهائم تلعن عُصاة بني آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر وتقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم )). وقال عكرمة : (( دواب الأرض وهوامها حتى الخنافس والعقارب يقولون منعنا القطر بذنوب بني آدم )) فلا يكفيه عقاب ذنبه حتى يبوء بلعنة من لا ذنب له
ومن آثار الذنوب أيضاَ: تعسير الأمور، ومنها دخول المذنب تحت لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها الخوف والجزع ، ومنها تحجب حسن الخاتمة عن صاحبها، ومنها إزالة النعم الحاضرة، ومنها موت القلب والعياذ بالله
أحبتي في الله: المعاصي ما حلت في ديار إلا خربتها ولا في قلوب إلا أعمتها ولا في أجساد إلا عذبتها ولا في أمة إلا أذلتها ولا في مجتمعات إلا دمرتها. فلنتب إلى الله ولنرجع إليه ولنجدد العهد معه حتى يرفع عنا ما حل ونزل، فهو وحده حسبنا ونعم الوكيل. اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن وردنا إليك رداً جميلاً.
أقول قولي هذا......