Lord-Ahmed
عدد المساهمات : 452 تاريخ التسجيل : 28/05/2013
| موضوع: ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم* الثلاثاء يونيو 04, 2013 2:17 pm | |
| فَاطِمَة الزَّهرَاءُ
*ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم*
*****
((المَهدِيُّ من عِترَتي مِن وَلَدِ فاطِمة)) ….. (محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم)
………..
قِصّة حياة فاطمة الزّهراء فصل مشرق من سيرة الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم …
وصورة رائعة من صور حياة بيت النُّبوَّة الكريم …
ومثل رائع لِما كان عليه الصحابة الكِرام .
وُلِدت فاطمة الزّهراء رضوان الله عليها سنة بناء الكعبة قبل البَعثة المُحمّديّة بِخمس سنين .
أمَّا أمّها فَسيّدة رَزَانٌ جمعت العقل الحصيف إلى النَّسب الشَّريف وضمَّت إلى ذلك الخلائق الفاضلة ، والثّروة الطائلة ؛ فكانت تُدعى في الجاهليّة بالطّاهرة ، وتُنعت بسيّدة نِساء قريش … آمنت بالرسول صلى الله عليه وسلم إذ كفر به الناس ، وصدَّقته إذ كذَّبه الناس ، وواسته بمالها إذ حَرَمه الناس .
وقد حَبَا الله هذه السيّدة الوَقور صباحة الوجه مع ما حباها به من الخُلق الجميل ، والحَسَب الأثيل(الحسب الأثيل: الأصيل القديم) ، والمال الجزيل … هذه هي أُمُّ فاطمة الزّهراء …
أمّا أبوها فسيّد المُرسلين ، وخاتم النّبيين ، وإمام المُتّقين …
فأعظِم بِهذا النَّسبِ الكريمِ نسبَاً …
وهذا الأبِ العظيمِ أباً .
كانت فاطمة الزّهراء آخر أولاد أبويها ، وآخر الأولاد يتقلَّب في أعطاف الحنان والحَدْبِ …
ويدرُجُ في أكناف الحفاوة والحبِّ …
لذا كانت فاطمة ريحانة رسول الله صلوات الله عليه … يرضى إذا رضِيَت ويَسخَطُ إذا سَخِطت .
ولكنَّ حنان الأبوين لم يحُل دُونَ تعهُّد المحبوبة الأثيرة بالتّربية وإعدادها لِتحمل المسئوليَّات …
فقد رُوي أنّها كانت وحدها تقوم بصنيع بيتها لا يُعينها في أكثر أيَّامها أحد ، وأنَّها كانت تُضمِّد جِراح أبيها صلوات الله عليه في غزوة ((أُحُدٍ)) .
ولمَّا بلغت الزّهراء مبلغَ النِّساء طمَحَت إليها الأنظار ؛ فكان في جملة من خطبها أبو بكر وعمر …
فردَّها الرسول صلوات الله عليه ردَّاً كريماً ، وكأنَّما كان يريد أن يخُصَّ بها علِيّاً رِضوان الله عليه .
وفي السنة الثامنة للهجرة خَطبَ علي بن أبي طالب فاطمة الزّهراء فما أسرع أنِ استجاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى طلبه ؛ فَخَرَّ عليٌّ ساجداً شُكراً لله ، فلمَّا رفع رأسه من سجوده قال له الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام :
((بارك الله لكما وعليكما ، وأسعَدَ جدَّكُما ، وأخرج منكما الكثير الطّيّبَ)) (أسعد جدّكما: أي أسعد حظّكما ، وجعلكما من المرضي عنهم) .
وقد شهِد عقدَ فاطمة الزّهراء على علي بن أبي طالب أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة بن عبيد الله التّمِيمي ، والزّبير من المهاجرين … وعدد يُماثل عددهم من الأنصار .
ولمّا أخذ القوم مجالسهم قال عليه الصلاة والسلام :
((الحمد لله المحمود بنعمته ، المعبود بقُدريه ، إنَّ الله عزَّ وجلّ جعل المُصاهرة نسباً لاحقاً ، وأمراً مُفتَرضاً ، وحُكماً عادِلاً ، وخيراً جامعاً ، أوشَجَ بها الأرحام وألزمها الأنام ، فقال الله عزَّ وجلّ :
((( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً ))) :الفرقان:54
أُشهدكم أنِّي زوجت فاطمة من علي على أربع مائة مثقال فِضّة إن رضي بذلك على السُّنّة القائمة ، والفريضة الواجبة …
فجمع الله شملهما وبارك لهما وأطاب نَسلهُما …
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم)) .
وزُفَّت سيدة نساء المسلمين إلى بيت زوجها .
وما كان لها من جهاز غير سرير مشروط ، ووسادة من أدَمٍ حشوُها لِيف ، ونَورةٍ من أَدَمٍ (أي: إناء من الجلد يغسل فيه) ، وسِقاء ،ومُنخل ، ومِنشفة ، وقَدح ، ورَحَوان وجرَّتان .
لم يُطق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم صبراً على بُعد الزّهراء عنه ؛ فعزم على أن يُحوِّلها إلى جِواره وكانت تجاوره منازل لِحارثة بن النّعمان فجاء إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه وقال :
إنَّه بلغني أنّك تُريد أن تُحوِّل فاطمة إليك ، وهذه منازلي وهي أقرب بيوت بني ((النّجّار)) إليك ، وإنّما أنا ومالي لله ورسوله ، واللهِ يا رسول الله :
للمالُ الذي تأخذ منّي أحبُّ إليَّ من الذي تَدعُ .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((صدقتَ ، بَارك الله عليكَ)) .
ثمّ حوَّل فاطمة إلى جواره وأسكنها منزلاً من بيوت حارثة رضوان الله عليه .
ومُنذُ استقرَّت الزّهراء في جوار أبيها كان يُلِمُّ ببيتها كلّ صباح ، فإذا أُذِّن للصّبح كان يأخذ بعضادتي باب بيتها ويقول :
(السلام عليكم أهل البيت ويُطهّركم تطهيراً) .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدِم من سفر بدأ بالمسجد فصلّى فيه ركعتين ثمّ يُثنِّي ببيت فاطمة ويُطيل عندها المُكث ، ثمَّ يأتي بيوت نسائه .
وقد رُوي عن محمد بن قيس أنّ الرسول صلوات الله وسلامه عليه خرج ذات مرّة في سفر ومعه علي بن أبي طالب ؛ فصنعت فاطمة رضوان الله عليها في غيبتهما سِوارين وقِلادة وقُرطين ، ووضعت على باب البيت سِتارة ؛ وذلك لقدوم أبيها وزوجها .
فلمَّا قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها ووقف أصحابه على الباب لا يدرون أيبقون أم ينصرفون لِطول مُكثه عِندها …
فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم وقد عُرف في وجهه الغضب حتى جلس على المِنبر .
عند ذلك أدركت فاطمة رضوان الله عليها أنَّه فعل ذلك لِما رأى من السِّوارين والقلادة والقرطين والسِّتر …
فنزعت قرطيها وسواريها وأنزلت السِّتر وبعثت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالت لمن حمَّلتهُ إيَّاها :
قُل للرسول تقرأ عليك ابنتك السلام وتقول لك اِجعل هذا في سبيل الله ؛ فلمّا أتاه قال :
(قد فَعَلَت ـ فَدَاها أبوها ـ ليست الدنيا من محمد ولا من آل محمد ، ولو كانت الدنيا تَعدِل عند الله من الخير جَناح بعوضةٍ ما سقى كافراً منها شربة ماءٍ) .
ثُمّ إنَّ بيت فاطمة الزّهراء ما لبِثَ أن سعِدَ بالذُّريَّة الصَّالحة … فقد رُزِقَ الأبوان الكريمان كُلاً من الحسن ، والحسين ، ومُحسِن … وزينب وأمّ كلثوم .
كانت فرحة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بهم كبيرة ، فقد رُوي أنّه لمَّا وُلِد الحسن سمَّاه والِده ((حَرباً)) ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
(أروني ابني ؛ ما سمَّيتموه ؟) .
قالوا : حَرباً … قال : (بل هُوَ حسنٌ ) .
وكان الرسول صلوات الله عليه يُدلِّل أولاد فاطمة ويستأنسهم ويُداعبهم ويُرقِّصهم ، ورُبَّما رَكِب الواحد منهم على كتفه وهو يُصلِّي … فيتأنَّى في صلاته ويُطيل سجوده لكي لا يُزحزحَهُ عن مَركَبِهِ .
وقد كان من عادته صلوات الله عليه أن يبيت في بيت فاطمة حِيناً بعد حِين ، ويتولّى خِدمة أطفالها بِنفسِه وأبواهم قاعِدان .
ففي إحدى اللّيالي سَمِع الحسن يستَسقِي (أي: يطلب السُّقيا) ؛ فقام صلوات الله عليه إلى قِربة فجعل يعصِرها في القدح فمدَّ الحسين يده ليتناول الماء ؛ فنحَّاه عنه وبدأ بالحسن ، فقالت فاطمة :
كأنّه أحبُّ إليك ؟ .
فقال عليه السلام : (إنّما استسقى أوَّلاً) .
وكانت فاطمة رضوان الله عليها إذا دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخَذَ بيدِها ورحَّب بها وأجلسها في مجلِسه …
وكان إذا دخل عليها قامت له ورحَّبت به وأخذت بيده فقبَّلتها .
فدخلت عليه في مرضه الذي تُوُفِّي فيه فأسَرَّ إليها فبكت … ثُمَّ أسرَّ إليها فضحِكت ، وكانت عائشة ترى ذلك فقالت في نفسها :
كُنتُ أحسِبُ لهذه المرأة فضلاً على النساء فإذا هي واحدة مِنهنَّ بينما هي تبكي إذا هي تضحك .
فلمّا تُوفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتُها عن ذلك فقالت :
أسرَّ إليَّ فأخبرني أنّه ميّتٌ فبكيت …
ثمَّ أسرّ إليّ أنّي أوّل أهل بيته لُحُوقاً به فضحِكتُ .
ولم تمكث فاطمة بعد وفاةأبيها عليه الصلاة والسلام طويلاً فلحِقت به بعد أشهر قليلة ، قِيلَ أنّها ستٌ أو ثلاثة أو اثنان على اختلاف في الرّوايات .
ففي رمضان سنة إحدى عشرة للهجرة لبَّت فاطمة الزّهراء نداء ربِّها ، وفرحت باللُّحوق بأبيها .
ولمَّا حضَرتها الوفاة تولَّت أمر غَسلِ نفسها بِيدها وقالت لصاحِبَتها أسماء بنت عُميس ـ بعد أن اغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل ـ :
يا أمَّه إيتيني بثيابي الجُدُدِ ، فلبِستها …
ثمَّ قالت :
قد اغتسلتُ فلا يكشِفنَّ لي أحدٌ كفناً …
ثمَّ تبسَّمت ، ولم تُرَ مُبتسِمة بعد وفاة أبيها إلا ساعةَ فارقتِ الحياة .
رحِمَ الله ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة واسعةً …
فقد زُفَّت إلى علي في رمضان …
وزُفَّت إلى الجنَّة في رمضان أيضاً .
المصدر
كتاب صور من حياة الصحابيات للدكتورعبد الرحمن رأفت الباشا رحمه الله
| |
|